سبب الإكثار من العبادات عند التابعين
فمنهم من علق قلبه بالذكر، وهذا كثير في التابعين ومن بعدهم كثير؛ لأن التابعين ومن بعدهم -كما -هو معلوم- ولدوا في الإسلام، وهذا ملحظ لا بأس أن ننبه عليه وهو: أننا نقرأ مثلاً في سير أعلام النبلاء ، والطبقات الكبرى لـابن سعد ، و حلية الأولياء وغيرها فنجد أن التابعين لديهم إكثار من العبادة، ومن الذكر، ومن الصوم، ومن الزهد في الدنيا، فربما أنك لا تجد هذا عند الصحابة في بعض الأحيان، ومن أسبابه: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا في وقت كان الدين فيه غير قائم، فأقامه الله تبارك وتعالى بهم، فقد جاهدوا، وهاجروا، وأوذوا، وامتحنوا، وهذا أعظم من مجرد الذكر والعبادة، وأما التابعون فورثوا الإسلام وقد ضرب بجرانه في الأرض.فالتابعون عندما كانوا في المدينة ، أو في الكوفة ، أو في البصرة كان المجاهدون يجاهدون في داخل أوروبا ، وعلى أسوار القسطنطينية ، وقد دفع لهم ملك الصين وملوك الهند الجزية، فالإسلام قائم منتشر في الدنيا، فليس كل واحد منهم يتحرك إلى الجهاد، أو إلى الدعوة، أو إلى العمل، وكانت أعطياتهم أيضاً من بيت المال وفيرة جداً، فكان كل واحد من المسلين يأتيه عطاؤه من بيت المال من ثمرة الجهاد، فهو مكتف في دنياه، ولا يذهب إلى الجهاد التطوعي، ويشتغل بالعلم، فأكثر همه أن يجمع العلم، وأن يشتغل بالعبادة، فمن هنا يجلس الواحد منهم يذكر الله كثيراً، ويصلي معظم يومه، فهكذا نجد في سيرهم.فسبب هذا أن واقعهم يخالف ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الحروب، والشدة، والهجرة، والفتن، والأخذ والشد مع الكفار حتى أظهر الله تبارك وتعالى دينه.